
تخيل أن مجرد فتحة لا تتجاوز 2 مليمتر كانت سببًا في إنقاذ من بتر القدم … أو منع مريض من فقدان طرفه إلى الأبد، في عالم الطب، ليست كل البطولات في غرف العمليات الكبرى، ولا كل الإنجازات ترتبط بالجراحات المعقّدة. أحيانًا، “التدخل المحدود” هو ما يصنع الفرق الحقيقي.
في هذا المقال نناقش ما الذي تعنيه التدخلات المحدودة في جراحة الأوعية الدموية، ومتى يمكنها أن تكون كافية بدلًا من العمليات الجراحية الكبرى.
البتر… ليس النهاية بل نتيجة
كلمة “بتر” دائمًا ما تثير الذعر لدى المرضى، وغالبًا ما يتم التعامل معها على أنها حدث مفاجئ.
لكن الواقع مختلف: البتر لا يحدث فجأة… بل هو نتيجة تراكمات ومراحل تأخر في العلاج.
من بين الأسباب الأشهر التي تؤدي إلى بتر الأطراف:
- انسداد الشرايين الطرفية (بسبب السكري أو التدخين أو تصلب الشرايين).
- تأخر التشخيص أو ضعف التروية المزمن.
- قرح مزمنة لا تُشفى.
- التهابات متكررة وضعف المناعة الموضعية.
لكن الأمل يكمن في نقطة بسيطة:
لو اكتُشفت المشكلة مبكرًا… يمكن إنقاذ القدم دون جراحة مفتوحة أو بتر.
ما هو التدخل المحدود؟ ولماذا هو ثورة طبية؟
مصطلح “التدخل المحدود” (Minimally Invasive Intervention) يشير إلى أي إجراء طبي يُجرى بدون فتح جراحي كبير، ويُستخدم فيه أدوات دقيقة جدًا، غالبًا عبر الأشعة التداخلية، للوصول إلى مكان المشكلة.
في حالات الأوعية الدموية الطرفية، أشهر أشكال التدخل المحدود هي:
القسطرة الطرفية:
- إدخال أنبوب دقيق (قسطرة) عبر شريان في الفخذ أو الذراع.
- الوصول إلى مكان الانسداد في القدم أو الساق.
- توسيع الشريان باستخدام بالون دقيق.
- أحيانًا تُركّب دعامة معدنية للحفاظ على الشريان مفتوحًا.
مميزات هذا النوع من التدخل:
- بدون جراحة أو تخدير كلي.
- يُجرى في وقت قصير (من 30 إلى 60 دقيقة).
- الخروج في نفس اليوم أو اليوم التالي.
- تعافٍ أسرع ومضاعفات أقل.
متى يكون التدخل المحدود هو الحل الأمثل؟
بحسب ما يؤكده الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح، فإن القسطرة الطرفية تُعد الخيار الأول في الحالات التالية:
- انسداد في شريان واحد أو أكثر، مع احتفاظ القدم ببعض التروية.
- قرحة صغيرة أو بداية التهاب، لم تصل إلى العظام.
- مرضى السكر الذين يعانون من تصلب شرياني مزمن.
- الحالات التي لا يناسبها التخدير الكلي بسبب مشاكل قلب أو كلى.
“سرّ النجاح في التدخل المحدود ليس في التقنية فقط، بل في اختيار التوقيت المناسب والتقييم الدقيق لحالة الأنسجة”،
كما يقول د. أيمن.
متى لا يكون التدخل المحدود كافيًا؟
رغم فعاليته العالية، إلا أن هناك حالات تتطلب تدخلًا جراحيًا أوسع، مثل:
- غرغرينا في القدم أو أصابع متعفنة.
- انسدادات متعددة ومعقدة في أكثر من موقع.
- فشل المحاولات السابقة للتوسيع بالقسطرة.
- وجود التهابات عميقة لا تستجيب للعلاج.
لكن حتى في هذه الحالات، يمكن الجمع بين القسطرة والجراحة، في خطة علاج متكاملة ينفذها فريق متعدد التخصصات.
من أنقذ القدم… أنقذ حياة كاملة
ما لا يُدركه البعض أن البتر لا يؤثر فقط على القدم، بل يغير حياة الإنسان كليًا:
- حركة محدودة
- اعتماد على أطراف صناعية
- مضاعفات نفسية
- زيادة في احتمالية حدوث مضاعفات في القدم الأخرى
لذلك، إنقاذ الطرف المصاب لا يعني فقط الحفاظ على جزء من الجسد، بل هو محافظة على جودة حياة كاملة.
تجربة في سطر
مريض خمسيني يعاني من السكري، ظهرت عليه قرحة صغيرة في القدم، ثم بدأت تتفاقم.
تم تشخيص انسداد متوسط في الشريان الشظوي.
أُجريت له قسطرة طرفية تحت إشراف الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح، وتم توسيع الشريان واستعادة التدفق.
النتيجة؟
اختفى الألم، شُفيت القرحة خلال أسابيع، وتجنّب المريض البتر.
تذكر أن :
البتر ليس خيارًا حتميًا… بل غالبًا نتيجة تأخير في العلاج.
القسطرة الطرفية أصبحت حلًا فعالًا وآمنًا لعلاج انسداد الشرايين في القدم.
التدخل المحدود ينقذ الأطراف… ويحفظ نمط الحياة.
نبذة عن الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح:
الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح هو أستاذ جراحة الأوعية الدموية والقسطرة الطرفية بكلية الطب جامعة عين شمس. حصل على بكالوريوس الطب من جامعة عين شمس عام 1993، ثم نال درجة الماجستير في الجراحة عام 1998، والدكتوراه في الجراحة عام 2001. كما حصل على زمالة جامعة بريست في فرنسا عام 2007، وزمالة كلية الجراحين الملكية في لندن عام 2008. شغل عدة مناصب أكاديمية وإدارية، وهو حاليًا رئيس قسم جراحة الأوعية الدموية بكلية الطب جامعة عين شمس.
تابعونا على صفحتنا لمعرفة كل جديد