
في ساحة المعركة ضد السرطان، لا تُقاس النجاحات فقط بفاعلية العقاقير، بل أيضًا بكفاءة الوسائل التي توصل هذه العلاجات إلى حيث ينبغي أن تعمل. من هنا، تبرز قساطر العلاج الكيميائي باعتبارها أحد أعمدة الطب الحديث في مواجهة الأورام، فهي الجسر الحيوي الذي يحمل الدواء من زجاجة الصيدلي إلى أعماق الجسم المتعب، بأمان ودقة واستمرارية.
ما هي قساطر العلاج الكيميائي؟
قساطر العلاج الكيميائي هي أنابيب دقيقة تُزرع داخل الجهاز الوريدي للمريض، لتؤمِّن وصول العلاج الكيميائي إلى الدورة الدموية دون الحاجة إلى الوخز المتكرر للأوردة الطرفية. وهذا لا يُسهم فقط في تقليل الألم والمعاناة، بل يمنع أيضًا تهيّج الأوردة وتلفها الناتج عن بعض الأدوية الكيميائية القوية.
أنواع القساطر ودواعي استخدامها
تتنوع أنواع هذه القساطر وفقًا لاحتياج كل مريض، وتشمل قسطرة Port-a-Cath التي تُزرع تحت الجلد وتُستخدم لمدد طويلة، وقسطرة PICC Line التي تُركَّب عبر الذراع وتُستخدم عادة في العلاجات متوسطة الأجل، بالإضافة إلى قساطر Hickman وGroshong التي تناسب بعض الحالات الخاصة.
دور طبيب الأوعية الدموية قبل تركيب القسطرة
هنا يأتي دور طبيب الأوعية الدموية، الذي لا يقتصر على إدخال هذه القساطر فحسب، بل يبدأ قبل ذلك بكثير. ففي البداية، يقوم الطبيب بتقييم دقيق لحالة المريض الوريدية، باستخدام الفحص الإكلينيكي والموجات فوق الصوتية، ليختار النوع الأمثل من القسطرة والمكان الأنسب لتركيبها. ولا يمكن لهذا القرار أن يكون عشوائيًا؛ فكل تفصيلة صغيرة – مثل تكرار الجرعات، ونوع الدواء، والحالة العامة للمناعة – تُؤخذ في الحسبان.
خطوات تركيب القسطرة وضمان السلامة
عملية تركيب القسطرة تتم تحت ظروف معقمة للغاية، وغالبًا ما يُستخدم التصوير بالموجات فوق الصوتية أو الأشعة المقطعية لضمان الدقة، وتجنّب الاختلاطات مثل انثقاب الشريان أو إصابة الأعصاب أو الرئة. وهذا ما يجعل خبرة طبيب الأوعية الدموية أمرًا حاسمًا، فكل حركة دقيقة خلال هذه العملية قد تُحدث فارقًا كبيرًا في سلامة المريض.
الرعاية والمتابعة بعد تركيب القسطرة
ولا يتوقف دور طبيب الأوعية عند تركيب القسطرة، بل يشمل الرعاية اليومية لها. فالقسطرة قد تُصاب بالانسداد بسبب الجلطات، أو قد تُهاجمها البكتيريا فتسبب التهابات خطيرة، أو تتلف بمرور الوقت إن لم تتم صيانتها بشكل منتظم. طبيب الأوعية يراقب، ويُوجه التمريض، ويتدخل عند الحاجة لمنع أو معالجة أي خلل.
الاعتبارات الخاصة لكل حالة
التعامل مع القسطرة يختلف تمامًا من مريض إلى آخر، فمرضى السكري يكونون أكثر عرضة للعدوى، ومرضى السرطان الذين يتلقون مثبطات للمناعة يحتاجون إلى متابعة دقيقة. كذلك، فإن وجود جلطات دموية سابقة أو حالات فشل كلوي أو أمراض قلبية يغير من طريقة التعامل مع القسطرة تمامًا. كل ذلك يُبرز أهمية التخصص الدقيق في طب الأوعية الدموية، ودوره المتداخل مع تخصص الأورام.
القسطرة: أداة أمل في رحلة العلاج
في نهاية المطاف، فإن قساطر العلاج الكيميائي ليست أنابيب بلا روح، بل هي امتداد مباشر ليد الطبيب ومصدر أمل للمريض. وهي لا تعمل بكفاءة إلا إذا وُضعت بيد خبيرة، وراقبها عقل طبيب يُقدّر أهميتها، ويُجيد فن العناية بها. ولهذا، فإن وجود طبيب الأوعية ضمن فريق علاج الأورام ليس رفاهية، بل ضرورة طبية تُسهم في نجاح الرحلة العلاجية من بدايتها إلى نهايتها.
ففي كل جرعة كيميائي تُحقن عبر هذه القسطرة، هناك قدر من الدقة، وقدر من الأمان، وقدر كبير من الأمل.
نبذة عن الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح
الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح هو أستاذ جراحة الأوعية الدموية والقسطرة الطرفية بكلية الطب جامعة عين شمس. حصل على بكالوريوس الطب من جامعة عين شمس عام 1993، ثم نال درجة الماجستير في الجراحة عام 1998، والدكتوراه في الجراحة عام 2001. كما حصل على زمالة جامعة بريست في فرنسا عام 2007، وزمالة كلية الجراحين الملكية في لندن عام 2008. شغل عدة مناصب أكاديمية وإدارية، وهو حاليًا رئيس قسم جراحة الأوعية الدموية بكلية الطب جامعة عين شمس.
تابعونا على صفحتنا لمعرفة كل جديد