الشد العضلي

في حياتنا اليومية، نمرّ بأوجاع متنوعة؛ بعضها نُهمله، وبعضها نبالغ في تقديره. لكن تبقى هناك فئة من الآلام نادرة في حدّتها، وخطيرة في صمتها.
من بين هذه الأوجاع… ذلك “الشد العضلي” الذي يتكرر في الساق، ويظنه الكثيرون أمرًا عابرًا، بينما قد يكون في الحقيقة علامة مبكرة على انسداد شرياني طرفي.

هذا المقال يسلّط الضوء على تلك اللحظات التي قد نخطئ فهمها، ويكشف العلاقة الدقيقة بين ما نظنه ألمًا عضليًا، وبين ما هو في حقيقته مرض شرياني صامت.

 

عندما يتحدث الجسد… بصوت خافت

رجل في الخمسين من عمره، لا يشكو من أمراض مزمنة، لكنه لاحظ مؤخرًا ألمًا متكررًا في الساق أثناء المشي. كان الألم يختفي بعد دقائق من الراحة، لذا لم يُعره اهتمامًا.
ظنّ أنه إرهاق عضلي أو ضعف في الدورة الدموية… حتى جاء اليوم الذي لم يستطع فيه إكمال السير لخمس دقائق دون أن تتشنّج ساقه.
فحص سريع بالدوبلر كشف الحقيقة: انسداد شرياني متوسط في الشريان الفخذي العميق.

ليست هذه حالة نادرة، بل سيناريو شائع يتكرر يوميًا، لا سيما بعد سن الأربعين، ومع وجود عوامل خطورة كارتفاع ضغط الدم أو التدخين أو الكوليسترول.

هنا تظهر أهمية الفحص السريري واستخدام الموجات الصوتية (الدوبلر)، فهي التي تُحسم الفرق بين عرضٍ عابر ومرض مستتر.

 

كيف يحدث انسداد الشرايين؟

الشرايين الطرفية هي الأوعية التي تنقل الدم المحمل بالأوكسجين من القلب إلى الأطراف (الذراعين والساقين).
ومع التقدم في العمر أو بفعل عوامل كالسكري، ارتفاع الدهون، والتدخين، تبدأ الدهون في التراكم على جدران الشرايين فيما يُعرف بـ”تصلب الشرايين”.

ومع الوقت، يُضيّق هذا التراكم مجرى الدم، مما يحد من كمية الدم الواصل للعضلات.
عند بذل مجهود مثل المشي، تحتاج العضلات إلى كمية أكبر من الأوكسجين، لكن الانسداد يمنع ذلك، فيحدث الألم.

يسمّى هذا الألم بـ”العرج المتقطع”، وهو أحد أهم العلامات المبكرة للانسداد الشرياني الطرفي.

هل هو انسداد حاد أم مزمن؟

  • الانسداد الحاد: يحدث فجأة، غالبًا نتيجة جلطة. يسبب ألمًا شديدًا، وغياب نبض الطرف، وبرودة شديدة، وقد يستدعي تدخلاً طارئًا.
  • الانسداد المزمن: يتطور تدريجيًا، والأعراض تظهر مع الجهد وتختفي مع الراحة، كما في المثال أعلاه.

بحسب الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح، فإن كثيرًا من الحالات تُكتشف متأخرة لأن المريض “تأقلم” مع الألم، أو تجاهل الأعراض.

“ألم متكرر مع المشي، خاصة في رجل واحدة، يستدعي فحصًا فوريًا… فالتأخير يُهدد الطرف بأكمله.”

 

كيف يمكن علاج الانسداد الشرياني؟

أولًا: التشخيص

  • فحص النبض في الأطراف.
  • اختبار مؤشر الضغط الكاحلي الذراعي (ABI).
  • موجات دوبلر ملونة على الشرايين.
  • في بعض الحالات: تصوير شرياني بالأشعة التداخلية (Angiography).

ثانيًا: الخيارات العلاجية

  1. القسطرة الطرفية (الأشعة التداخلية):
  • إجراء بسيط يتم تحت التخدير الموضعي.
  • يتم إدخال قسطرة دقيقة عبر فتحة صغيرة في الفخذ، وتوجيهها نحو مكان الانسداد.
  • يُستخدم بالون لتوسيع الشريان، وقد تُركّب دعامة للحفاظ على الفتحة.
  1. الجراحة المفتوحة (في الحالات المتقدمة):
  • تحويل مسار الدم باستخدام رقعة أو وريد صناعي لتجاوز الانسداد.
  1. العلاج الدوائي والوقائي:
  • أدوية مسيلة للدم
  • أدوية لتوسيع الشرايين
  • تغيير نمط الحياة (وقف التدخين، تنظيم الضغط والسكر)

 

أهمية التشخيص المبكر

ما يميز الانسداد الشرياني الطرفي هو أنه يمكن التحكم به في مراحله الأولى بسهولة، وتجنّب أي تدخل جراحي.
لكن كل يوم تأخير، قد يُقلل من فرص الإنقاذ، ويزيد من احتمالات المضاعفات مثل القرح أو حتى البتر.

ويؤكد د. أيمن عبد الفتاح على أن:

“90٪ من الحالات يمكن تجنّبها أو علاجها دون جراحة إذا شُخصت مبكرًا، بشرط أن يُعالجها فريق متخصص.”

 

في الختام

ليس كل ألم في الساق شدًا عضليًا.
ففي أعماق الجسد، قد يحدث ما لا نشعر به بوضوح، وتكون الأعراض مجرد تلميح.
لذا، إن لاحظت ألمًا في الساق يزداد مع المشي ويختفي بالراحة، فلا تكتفِ بمسكن أو كريم، بل اسأل الطبيب… قبل أن يتكلم الألم بصوت أعلى.

 

نبذة عن الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح:

الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح هو أستاذ جراحة الأوعية الدموية والقسطرة الطرفية بكلية الطب جامعة عين شمس. حصل على بكالوريوس الطب من جامعة عين شمس عام 1993، ثم نال درجة الماجستير في الجراحة عام 1998، والدكتوراه في الجراحة عام 2001. كما حصل على زمالة جامعة بريست في فرنسا عام 2007، وزمالة كلية الجراحين الملكية في لندن عام 2008. شغل عدة مناصب أكاديمية وإدارية، وهو حاليًا رئيس قسم جراحة الأوعية الدموية بكلية الطب جامعة عين شمس. ​

 

تابعونا على صفحتنا لمعرفة كل جديد

 

لمعرفة خدمات العيادات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *