
في رحلة علاج السرطان، تتداخل تخصصات طبية عديدة بهدف واحد: منح المريض أفضل فرصة للشفاء بأقل قدر ممكن من المضاعفات. وفي خضم هذه المنظومة، يبرز تخصص الأوعية الدموية كلاعب محوري لا يقل أهمية عن اختصاص الأورام أو الجراحة. فعندما نبحث في عمق الممارسة السريرية، نجد أن كل جرعة علاج كيميائي تمر عبر منظومة دقيقة من الأوعية والأنابيب والقساطر، يديرها ويشرف عليها أطباء الأوعية.
الأوعية الدموية كخط إمداد حيوي
العلاج الكيميائي، وإن كان يستهدف الخلايا السرطانية، إلا أنه لا يمكن أن يصل إلى هدفه دون مسار آمن وفعال داخل جسم المريض. هنا يظهر دور الأوعية الدموية كخط إمداد حيوي، وقنوات دقيقة تنقل المواد الفعالة إلى مواضعها المستهدفة. ولذلك، فإن البنية الوريدية للمريض تُصبح عاملًا حاسمًا في نجاح العلاج من حيث الاستمرارية والسلامة والفعالية.
تقييم كفاءة شبكة الأوردة
يلعب طبيب الأوعية الدموية دورًا جوهريًا في تقييم كفاءة شبكة الأوردة لدى المريض، خصوصًا في الحالات التي تتطلب علاجًا طويل الأمد، أو عند المرضى ذوي البنى الوريدية الهشة أو المعقدة، كما هو الحال لدى كبار السن أو من خضعوا لعلاجات سابقة مكثفة. وفي كثير من الأحيان، قد يكون من المستحيل استخدام الوريد المحيطي التقليدي، مما يستلزم التدخل لتركيب قسطرة مركزية.
فن تركيب القساطر ودقة اختيار المسار
تركيب القساطر ليس مجرد إجراء تقني؛ بل هو فن علمي يتطلب خبرة ومعرفة بطبوغرافيا الجسم، ومهارة في اختيار المسار الأمثل الذي يضمن أقل مضاعفات ممكنة. طبيب الأوعية يُقيِّم المخاطر المحتملة – مثل العدوى أو الانصمام الهوائي أو النزيف – ويتخذ القرارات الدقيقة للحد منها، سواء في اختيار نوع القسطرة، أو في التقنية المستخدمة لتركيبها.
التعامل مع مضاعفات القساطر
ومع تكرار جلسات العلاج الكيميائي، قد تتعرض القساطر لمشكلات متعددة كالتجلط أو العدوى أو الانسداد. وهنا يتجلى دور طبيب الأوعية في التدخل العلاجي، إما باستخدام أدوية مذيبة للجلطات، أو عبر استبدال القسطرة، أو علاج الالتهابات الناتجة عن الجراثيم المقاومة. وتُظهر الدراسات أن وجود طبيب أوعية ضمن فريق الرعاية يقلل بشكل كبير من معدلات هذه المضاعفات، ويرفع من كفاءة استخدام القساطر على المدى الطويل.
التثقيف الصحي للمريض وأسرته
ولا يقتصر الأمر على الإجراءات الطبية، بل يمتد إلى التثقيف الصحي للمريض وأسرته. طبيب الأوعية يشرح للمريض كيفية التعامل مع القسطرة في المنزل، والعلامات التي تستوجب التدخل الفوري، مما يُعزز من الأمان ويُقلل من احتمالية الرجوع للمستشفى دون ضرورة.
التنسيق بين الفرق الطبية
هذا التداخل العميق بين اختصاص الأوعية والعلاج الكيميائي يعكس ضرورة وجود تواصل يومي بين الفرق الطبية المختلفة. التنسيق بين أطباء الأورام، وأطباء الأوعية، وفريق التمريض، يضمن أن كل جرعة كيميائي تُحقن في بيئة صحية وآمنة، وكل قسطرة تُخدم وفق بروتوكولات دقيقة.
نجاح العلاج الكيميائي ومعيار الأمان
وهكذا، فإن نجاح العلاج الكيميائي لا يُقاس فقط بمدى انكماش الورم أو تراجع الأعراض، بل يُقاس أيضًا بمدى قدرة الجسم على تحمُّل هذا العلاج دون انتكاسات ناجمة عن مضاعفات قسطرة أو فشل في الوصول الوريدي. وهذه النقطة بالذات تُبرز بوضوح الأهمية المحورية لاختصاص الأوعية الدموية، والذي يجب ألا يُنظر إليه كخدمة مساعدة بل كشريك متكامل في منظومة علاج الأورام.
الأوعية الدموية كخطوط إمداد الحياة
في خضم المعركة ضد السرطان، كل تخصص يُمثل جبهة دفاع، وكل طبيب هو جندي يسهم في تقدم الصفوف نحو الشفاء. واختصاص الأوعية هو من يضمن أن خطوط الإمداد باقية ومفتوحة، وأن جسور الحياة بين الدواء والجسم لم تنقطع. لذلك، فإن الاستثمار في هذا التخصص، وتقدير دوره، هو استثمار مباشر في فرص المريض للحياة.
نبذة عن الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح
الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح هو أستاذ جراحة الأوعية الدموية والقسطرة الطرفية بكلية الطب جامعة عين شمس. حصل على بكالوريوس الطب من جامعة عين شمس عام 1993، ثم نال درجة الماجستير في الجراحة عام 1998، والدكتوراه في الجراحة عام 2001. كما حصل على زمالة جامعة بريست في فرنسا عام 2007، وزمالة كلية الجراحين الملكية في لندن عام 2008. شغل عدة مناصب أكاديمية وإدارية، وهو حاليًا رئيس قسم جراحة الأوعية الدموية بكلية الطب جامعة عين شمس.
تابعونا على صفحتنا لمعرفة كل جديد