
في عالمٍ يزداد فيه التقدم الطبي يوماً بعد يوم، بات من الضروري تسليط الضوء على التقنيات الحديثة التي تُغيّر حياة آلاف المرضى دون الحاجة إلى مشرط جراحي أو إقامة مطوّلة بالمستشفى. من بين هذه التقنيات الثورية، تبرز الأشعة التداخلية كواحدة من أبرز الإنجازات الطبية في العقود الأخيرة، خصوصًا في مجال علاج انسداد الشرايين.
انسداد الشرايين، سواء الطرفية أو غيرها، يُعد من الأمراض الوعائية الخطيرة التي قد تؤدي إلى مضاعفات تهدد الحياة أو تتسبب في إعاقات دائمة. ولكن هل لا زالت الجراحة التقليدية هي السبيل الوحيد للعلاج؟ الإجابة اليوم باتت “لا”، بفضل ما أتاحته الأشعة التداخلية من حلول فعالة، دقيقة، وأقل تداخلاً.
ما هي الأشعة التداخلية؟
الأشعة التداخلية هي فرع متقدم من الطب يجمع بين التصوير الشعاعي والتقنيات التدخلية الدقيقة لعلاج أمراض داخل الجسم دون الحاجة إلى جراحة مفتوحة. يتم ذلك من خلال قسطرة رفيعة تُدخل إلى الجسم عن طريق فتحة صغيرة جدًا، غالبًا من الفخذ أو الذراع، ويتم توجيهها بدقة عبر الأشعة للوصول إلى مكان الانسداد أو المرض.
ظهر هذا التخصص في أواخر القرن العشرين، وبدأ يتطور بوتيرة متسارعة في العقدين الأخيرين، ليصبح أحد البدائل الآمنة للعديد من العمليات الجراحية المعقدة، لا سيما في مجال الأوعية الدموية.
كيف تُستخدم الأشعة التداخلية لعلاج انسداد الشرايين؟
يعتمد العلاج على مجموعة من الإجراءات الدقيقة، منها:
- تصوير الشرايين (Angiography): لتحديد موقع الانسداد بدقة.
- إزالة الجلطات أو التجلطات الدموية (Thrombectomy): باستخدام أجهزة دقيقة عبر القسطرة.
- توسيع الشرايين بالبالون (Angioplasty): يتم نفخ بالون صغير في مكان الانسداد لتوسيعه.
- تركيب دعامات (Stents): لإبقاء الشريان مفتوحاً ومنع تكرار الانسداد.
- استخدام مواد دوائية: بعضها يتم إطلاقه من البالون أو الدعامة مباشرة لتقليل فرص التجلط مرة أخرى.
ما يميز الأشعة التداخلية؟
- عدم الحاجة إلى فتح جراحي كبير.
- زمن تعافٍ أسرع (غالبًا يخرج المريض في نفس اليوم).
- ألم أقل ونسبة مضاعفات أقل.
- إمكانية تكرار الإجراء عند الحاجة.
- فعالية مرتفعة خصوصاً في المرضى كبار السن أو المصابين بأمراض مزمنة كالسكري.
حالات تم علاجها بنجاح
تُشير الإحصائيات إلى أن معدلات النجاح في استخدام الأشعة التداخلية لعلاج انسداد الشرايين الطرفية تتجاوز 90% في العديد من المراكز المتخصصة حول العالم. في مصر، يشهد المجال تطوراً ملحوظاً، ويُعد الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح أحد روّاد هذا المجال، حيث ساهم في علاج آلاف الحالات باستخدام هذه التقنية بنجاح باهر، مع نسبة مضاعفات أقل من 2%.
مستقبل الأشعة التداخلية
تتطور هذه التقنية بشكل سريع، وهناك ابتكارات تُحدث نقلة نوعية في المجال، منها:
- استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأوعية وتحديد مناطق الخطر بدقة.
- القسطرة الروبوتية، التي تتيح تحكماً عالياً للطبيب وتحسن دقة الإجراء.
- دعامات ذكية قابلة للذوبان في الجسم، تختفي بعد أداء مهمتها.
نصيحة للمرضى
إذا كنت تعاني من آلام في الأطراف عند المشي، أو تغير في لون الجلد، أو خدر وتنميل متكرر، لا تنتظر حتى تتفاقم المشكلة. انسداد الشرايين يمكن تشخيصه وعلاجه بطرق دقيقة وفعالة دون اللجوء إلى الجراحة المفتوحة، فقط استشر طبيب متخصص في الأوعية الدموية والأشعة التداخلية.
لم يعد الطب الحديث يكتفي بالعلاج، بل يهدف إلى تحسين جودة حياة المريض بأقل تدخل ممكن. ومن هنا، تبقى الأشعة التداخلية بمثابة “ثورة هادئة” تعيد فتح الشرايين وتعيد الحياة إلى مسارها الطبيعي.
نبذة عن الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح:
الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح هو أستاذ جراحة الأوعية الدموية والقسطرة الطرفية بكلية الطب جامعة عين شمس. حصل على بكالوريوس الطب من جامعة عين شمس عام 1993، ثم نال درجة الماجستير في الجراحة عام 1998، والدكتوراه في الجراحة عام 2001. كما حصل على زمالة جامعة بريست في فرنسا عام 2007، وزمالة كلية الجراحين الملكية في لندن عام 2008. شغل عدة مناصب أكاديمية وإدارية، وهو حاليًا رئيس قسم جراحة الأوعية الدموية بكلية الطب جامعة عين شمس.
تابعونا على صفحتنا لمعرفة كل جديد